U3F1ZWV6ZTYzMTQyNzY5OTk0NjhfRnJlZTM5ODM1OTE5MzIwMDk=

خطبة جمعة بعنوان وقفات مع اية الكرسي-زد حسناتك

خطــبـــة جـمعة بعـنــوان : *تـأمـــلات.فــي.آيــة.الـكــرسـي.
*جمع وإعداد الشيخ/ مـحــمـــد الـجـــرافــي




خطــبـــة جـمعة بعـنــوان : *تـأمـــلات.فــي.آيــة.الـكــرسـي. *جمع وإعداد الشيخ/ مـحــمـــد الـجـــرافــي







*الخطـبــة.الأولـــى.

الحمد لله الواحد المنان، الملك الديان، عظيم الشان، والصلاة والسلام على من أنزل عليه القرآن، وبلغ دعوة الإسلام بأحسن بيان ولسان، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان..


أمـــا بعـــد عباد الله :

مازال حديثنا متواصلاً مع أعظم آية في كتاب الله، آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، ومع قوله سبحانه: ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 255].


وبما أن الله جلا وعلا من أسماءه الحي القيوم، فهو موصوف بحياة أزلية لا بداية لها، وأبدية لا نهاية لها، حياةٍ كاملة دائمة ليس لها انقطاع ولا زوال، فهو الحي الباقي الدائم "{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}


أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه خافية ومن كمال حياته وَقَيُّومِيَّتِهِ سبحانه أنه لا تأخذه سنة ولا يأخذه نوم، والسنة هي ابتداء ومقدمة النوم اي النعاس، ولهذا قال: "وَلاَ نَوْمٌ" لأنه أقوى من السنة ولأن السِّنَةَ والنومَ عارضان يَعْرِضَانِ للمخلوق الذي يجري عليه الضعف والعجز والانحلال، يَعْرِضَانِ لمن كان موصوفا بالنعاس والنوم، موصوفا بالتعب والمرض، موصوفا بالضعف والنقص، موصوفا بالموت والهلاك، ولا يَعْرِضَانِ للحي القيوم ذي العظمة والكبرياء والجلال. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ .. ". 


﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾، جملة تريحك وتشعرك بالأمان والأمان، فأنت أيها الإنسان طوال حياتك تحت حماية الرحمن وإحاطته، فهو رب عظيم لا ينسى:(وما كان ربك نسيا)، ولا ينام تجده عندما تلجأ إليه وتدعوه، عليم بحالك محيط بكل ما حولك، خلق السماوات بغير عمد وبسط الأرض كالمهاد، وجعل لها من الجبال الأوتاد، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.

وفي كل شيء له آية   تدل على أنه الواحد 

فالكون كله بما فيه وبمن فيه له جل جلاله وفي مُلكه وفي قبضته. فالجميع عبيده، فلماذا يتكبرون؟ الجميع في ملكه، فلماذا على معصيته يجترئون؟ الجميع تحت قهره وسلطانه، فلماذا يظلمون؟  ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95].


*﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾. ﴿له﴾، اللام لام المُلك، فله الملك خلقا وتصرفا ومصيرا، أما أنت كإنسان فقد تملك بيتا ولا تنتفع به، وقد تنتفع به ولا تملكه، فمِلكك لهذا البيت مِلك ناقص منتهية صلاحيته، ملك نسبي في مكان محدود وزمن مقيد محدود. ــ غير أنَّ الله سبحانه وتعالى مُلكه دائم: ﴿له ما في السموات وما في الأرضِ﴾


فلا يمكن أن يقع شيء في مُلكه إلا بإرادته، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المُطلقة، وحكمته المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق، فالأمر بيده: ﴿له ما في السموات وما في الأرضِ﴾، اختص بالملك المطلق، مما يجعل العبد يحتقر ملكه مهما بلغ أمام ملك الله تعالى.

﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾، فكم في هذا التعبير من فوائد ومقاصد لو تأملناها وفهمناها وعملنا بما تقتضيه وتدل عليه، لارتاحت القلوب، وانشرحت الصدور، وعمت السكينة النفوس.


*عبد الله تأمل معناها ينكشف لك الحجاب عن مبناها، وتدلك على أن المالك للسموات والأرض وما فيهن هو الحقيق بأن ترفع إليه الحاجات، هو القادر على أن ينفعك أو يضرك، القادر على أن يمنحك أو يمنع عنك، القادر على أن يخفضك أو يرفعك، القادر على أن يُعزك أو يُذِلك، القادر على أن يغنيك أو يُفقرك، لا إله إلا هو استحق التوحيد كل الاستحقاق، فلا تسأل ولا تطلب غيره، ولا تَخَفْ ولا تخشَ غيره، ولا ترجُ غيره، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تستعن ولا تتوسل إلا به، ولا تفوض أمرك إلا له.


ومن مقاصدها، إذا دعوت الله بشيء استشعرْ بأن الله غني جواد كريم، له ما في السموات وما في الأرض، ادع من بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى، استسلم له، اخضع له جل جلاله ولا تخضع لغيره، لا تخضع لأي إنسان مهما كان شأنه ومقامه ومكانته ومهما بلغت قوته، لأن الذين تستسلم وتنقاد وتخضع لهم من دون الله الواحد الأحد، كلهم في ملك الله أذلاء فقراء، محتاجون لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا.


*ومن مقاصد قوله تعالى: ﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾، الحث على الكرم والسخاء والجود، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وما ذلك العطاء منه صلى الله عليه وسلم إلا لأنه يوقن بأن لله ما في السموات وما في الأرض، وأن خزائنه ملأى لا تنقصها النفقة ولا العطاء، فأنفق يا عبد الله واعط مما أعطاك الله، وجد على الناس، فمولاك يملك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، وهو القائل في الحديث القدسي:(أنفق يا ابن آدم أنفق عليك). فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا.


ومن ثمرات قوله تعالى: ﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾، فمتى علمت أيها العبد أن لله ما في السموات وما في الأرض، لن يدخل قلبك الحسد، فالملك لله وحده، يُعطي ويمنع، فمن أعطاه الله شيئا فمن مُلكه، ومن منعه الله شيئا فبعلمه وحكمته، وهذا من أنجع الأدوية للحسد، إذ أن الحسدَ مبني على الاعتراض على حكمة الله تعالى في المنع والعطاء


*عباد الله ﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾. استفهام وتحد، وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا أن يُؤذن له بالشفاعة .


فأخبر جل جلاله أن مِن تمام ملكه وعظيم سلطانه وأن ملكه للسموات والأرض، يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده:﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، وأن أحداً لا يشفع عنده سبحانه إلا بإذنه.


فالمشركون، وهم أجهل الناس بحق الرب جل جلاله، أجهل بما يجب لله، ويجب في حقه سبحانه، قالوا: ما نعبد هذه الأصنام وما نتخذ أولياء من دون الله، إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فخاطبهم الله وهو خطاب لكل من كان على شاكلتهم بقوله: أنا الحي القيوم، لي ما في السموات وما في الأرض، فلا ينبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأصنام ولا غيرها من الأشخاص سواء كانوا أمواتا أم أحياء، وتزعمون أنهم لكم أولياء ويقربونكم مني زلفى، ويشفعون لكم يوم القيامة، فإنهم لا ينفعونكم عندي، ولا يغنون عنكم شيئا، ولا يشفعون عندي لأحد إلا بإذني.


كل الوجهاء والشفعاء، هم عبيد لله، لا يَقْدُمون على الشفاعة حتى يأذن لهم الله، قال سبحانه: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴾ [النجم: 26].


أهل السموات، الملائكةُ المقربون، أهل الأرض، الأنبياءُ الرسل، محمد صلى الله عليه وسلم، وأولياء أمته والشهداء، لا يشفعون يوم القيامة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا، فهم لا يشفعون إلا لِمَنِ ارتضى، أي إلا لمن مات على الإيمان، وعلى كلمة لا إله إلا الله.


روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، من أسعَدُ الناسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ؟ فقال:(لقد ظنَنتُ يا أبا هُرَيرَةَ أن لا يسألَنِي عن هذا الحديثِ أحدٌ أولَ منك، لمِا رأيتُ من حِرصِك على الحديثِ، أسعدُ الناسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ مَن قال: لا إلهَ إلا اللهُ، خالصًا من قِبَلِ نفسِه).


فمن اتكل على الشفاعة، ولم يتوكل على الله، أو ظن أن أحداً سيشفع له يوم القيامة، فليعلم أن الشفاعة بيد الله هو صاحبها، ويأذن بها لمن يشاء من عباده، ولن يشفع أحد لأحد إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.


يا منى خاطري وسلوى فؤادي   ليس إلا إلى رضاك التفاتي                                                                  منك حولي وقوتي واتكالي   يا نصيري فلا تكلني لذاتي                                                                   يا غياث الملهوف من كل كرب      يا معيناً للمرء في المعضلات                                                                              اهد قلبي يا خالقي وارض عني    فالرضى منك منتهى الأمنيات


*﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].


دليل على إحاطة علمه، فهو يعلم ما بين أيديهم من الحاضر والمستقبل، ويعلم ما خلفهم من الماضي،" { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:4] 


يا لها من معان تأخذ بالألباب، يا لها من كلمات تهز النفوس ،وتزرع العظمة والهيبة في القلوب، سبحان الله، لا تغيب عنه ذرة، خلجات النفوس، خواطر القلوب، التفاتات العيون، لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم ماضيها وحاضرها ومستقبلها


يعلم ما يظهرون وما يسترون وما يخفون يعلم مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.. فأين المفر ياعباد الله؟ ليس إلا إلى الله، فلا تقع قَطرة ولا تُعقد نية، ولا تُقال كلمة ولا تُخطى خطوة، ولا يُخط حرف إلا بعلمه.. يعلم السرائر، ويطلع على الضمائر، وسع سمعه الأصوات، فلا يشغله صوت عن صوت، ولا تختلط عليه لغة بلغة، بل يسمع جميع الأصوات على اختلاف اللهجات واللغات، ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]. ففروا إليه، وانطرحوا  بين يديه، قفوا ببابه، وانكسروا لجنابه .

                                                               لا رب أرجوه لي سواكا

إذْ لم يَخبْ سعيُ من رجاكا

أنت الذي لم تزل خفياً

لم تبلغ الأوهام مُنتـهـاكا                                                                               إن أنت لم تهدنا ضللنا

يا رب! إن الهدى هـداكا                                                                        أحطت علماً بنا جميعاً

أنت ترانا ولا نــراكـا


قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه غافر الذنوب والخطيئات



الخطبـــة.الثانيـــة.

الحمد لله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله .


وبـــعــــــد :

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } سبحان الله! عجباً يا عباد الله ! هل وقفتم هنا ؟ هل فهمتم المعنى؟ هل تدبرتم ؟ ألم تتساءلوا ؟! أي كرسي هذا الذي يسع السموات السبع والأرضين السبع  ما صفته وما هيئته؟! 


لقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة"(اخرجه ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" والبيهقي في الأسماء والصفات وصححه الألباني في الصحيحة.                                         

فلا إله إلا الله " {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }(الزمر 67) ،سبحان الله إذا كان كرسي الرحمن بهذه السعة، فكيف تكون إذن عظمة العرش؟!! وكيف تكون عظمةُ من خلق العرش ثم استوى عليه (الرحمن على العرش استوى)؟!


عباد الله: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله، املئوا قلوبكم بالهيبة والإجلال والتعظيم والخشية، لكن لا تتصوروا الكيفية ولا تُمثلوه بالمخلوقين، فالله على كل شيء قدير،" { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، 

ليس شيء كمثله فهو رب*من يضاهيه في صفات وذات                                                                            ما أتى من صفاته فهو حق وكمال برغم أنف النفاة .


إنه الواحد الذي لا يضاهى في معاني أسمائه والصفات

هنا يمتلئ القلب تعظيما لله تعالى، ويستشعر المسلم عظمة هذه الآية، فتهزه وتحرك جوارحه لما يقرأها، ولا يملك إلا أن يخشع قلبُه وتخضعَ جوارحُه تعظيماً وحباً ورهبةً لله العلي العظيم الذي أنزل أعظم آية وقال فيها: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [البقرة: 255]، لا يثقله ولا يُرهقه ولا يشق عليه حفظ السموات والأرض ومن فيهما وما بينهما ، ولا يُتعبه ولا يَصعُب عليه أمرهما بل ذلك سهل عليه ، يسير لديه  وهو القادر على كل شيء،  ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾، العلي لكمال قوته وقدرته وسلطانه وعظمته، العلي بذاته جل وعلا على جميع المخلوقات، العلي بعظيم الصفات، العليّ الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الموجودات وخضعت لقدرته الصعاب وذلت له الرقاب هو العظيم سبحانه وتعالى الكبير المتعال الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، له العظمة في أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته جل وعلا، عظيم في ملكه وخلقه، عظيم في حكمته ورحمته، عظيم في افتقار خلقه إليه وغناه هو عنهم، عظيم في تدبيره شؤونهم وما يحتاجونه، خضع كل شيء لأمره، ودان كل شيء لحكمه، والكل تحت سلطانه وعظمته، وكل شيء دونه فلا شيء أعظمَ منه، وكل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائلٌ إلا ملكه.

"العظيم": أي ذو العظمة الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، والمجد والبهاء، فما لكم لا تملئون القلوب بمحبته، والنفوس بعظمته، والأرواح بهيبته، (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).


عباد الله: لو علم العباد ما لله من العظمة ما عصوه، ولو علم المحبون ما لله من الجمال والكمال ما أحبوا غيره، ولو عرف الفقراء غنى الرب سبحانه وتعالى ما رجوا سواه، فمن عظم الله تعالى، خضع لهيبته، ورضي بقسمته، ولم يرض بدونه عوضا، ولم ينازع له اختيارا، ولم يرد عليه حقا، وتحمل في طاعته كل مقدور، وبذل في مرضاته كل ميسور.فسبحانه جل في علاه، هو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، سبحان من أحاط علمه بالكائنات، واطّلع على النيات، قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، يعلم ما في الضمير، فلم يغب عن علمه الفتيل ولا القطمير، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].


من عظم الله تعالى أكثر ذكره، فإن البشر لا يزالون يمدحون ويذكرون من يعظمون، فكيف يزعم زاعم أنه معظم لله تعالى وذكره لا يجري على لسانه إلا قليلا.


من عظم الله تعالى وقف عند حدوده، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، وعظم حرماته ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30].


• عباد الله من تأمل آية الكرسي، علم أنها قد جمعت أوجه العظمة للخالق سبحانه فاستحقت أن تكون أعظم آية في كلام الله عز وجل، لأنها دلت على عظمة العلي العظيم، من قرأها وتأملها وتدبرها ظهرت له عظمة المولى جل جلاله، وكان ذلك داعيًا له إلى الاستقامةِ على الهدى، والبعدِ عما يخالف شرع الله تعالى.


وفي الختام: فإن آية الكرسي تملأ القلب مهابة من الله وجلاله وكماله، فمن أراد تعظيم الله حقاً فليقرأ بتدبر آية الكرسي، ومن أراد حفظ الله له فليقرأ بتدبر آية الكرسي، ومن أراد أن يعتمد في كل شؤونه على الخالق لا المخلوق فليردد آية الكرسي، فحق لآية الكرسي أن تكون أعظم آيات القرآن لما احتوته من المعاني، وحق لمن قرأها متدبرا متفهما أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون محفوظا بذلك من شرور الشيطان، فلنحفظ هذه الآية في صدورنا، ولْتَعْظُمْ في قلوبنا، ولِتَهُزَ وِجداننا، ولِتسري في عروقنا ودمائنا، ولِنربي عليها أهلنا وأزواجنا، ولْنُحَفِظْهَا بناتنا وأولادنا، ولترتوي من معينها نفوسنا وأرواحنا،

إنني أسمو بروحي حين أتلو*آيةَ الكرسي والسبعَ المثاني


هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى  كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } 


اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا  وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين 


إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .


مدونة زد حسناتك 


تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة